الاعتداء على الغابات متواصل وأجهزة الدولة في سبات
يعد البناء الفوضوي هاجس لكل من يتطلّع إلى بيئة عمرانية منسجمة، وبعيدا عن دوافع التعمير الفوضوي التي هي اقتصادية بالأساس، وفي إطار مكافحة هذه الظاهرة خصّت مجلة الجماعات المحلية المؤرخة في 9 ماي 2018 رئيس البلدية باتخاذ قرارات هدم البنايات غير المرخص لها وعوض أن يتساوى جميع المخالفين تحت طائلة القانون بشكل عادل، أضحى التطبيق مصدرا لتلقي الرشاوي والمحاباة، نقدم لكم في هذا التحقيق مثالا يجسد كل ما سلف ذكره.
في منتصف سنة 2022 أقدم مواطن يدعى م. ص على تكسير أشجار الصنوبر وبناء مستودع داخل أرض جبلية تحت ملك الدولة الخاص ثم قام بفتح طريق يربط بين المستودع ونهج خنيس جعفر بأريانة الشمالية على طول الأرض الجبلية، وفق ما جاء في محضر معاينة عدل منفذ بدائرة قضاء محكمة الاستئناف بتونس صادر في 19 جويلية 2022.
سرعان ما أجج الممرّ الخلافات مع الجيران بسبب اعتماده كمقرّ للسهر والتجمع واحتساء الخمور وفق ما يثبته محضر المعاينة المؤرخ في 19 جويلية 2022، وهو ما دفع الجيران إلى التوقيع على عريضة تطالب والي الجهة حينها خالد النوري، والذي عينه رئيس الجمهورية قيس سعيد في 25 ماي 2024 وزيرا للداخلية، بالتدخل وإغلاق الطريق وهدم البناية خاصة وأنهما مخالفتان للقانون ولمثال التهيئة العمرانية.
تحصلت منظمة أنا يقظ على عدة مراسلات بين الادارات المعنية تقر بالتجاوزات والجرائم الغابية التي قام بها م. ص وتدعو إلى اتخاذ القرارات اللازمة للتصدي لهذه التجاوزات، من بينها مراسلة الوالي السابق وزير الداخلية الحالي خالد النوري في 23 فيفري 2023، من قبل المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بأريانة لإعطاء تعليماته لبلدية رواد للقيام بمهامها المنوطة بعهدتها في التصدي لظاهرة البناء العشوائي والإسراع في إصدار قرار الهدم وتنفيذه بشكل عاجل وايقاف عملية إسناد تراخيص الربط بالماء الصالح للشرب والكهرباء للمساكن العشوائية بالأراضي الفلاحية والغابية.
في المقابل، أقرّت ولاية أريانة ردا على مطلب النفاذ إلى المعلومة الذي أرسلته المنظمة بهدف معرفة الاجراءات التي اتخذتها في علاقة بالبناء الفوضوي داخل ملك الدولة الخاص بمنطقة جبل الشرف، بأنها قامت بالأبحاث اللازمة من بينها استدعاء المدعو م.ص الذي اعترف بمسؤوليته عن تكسير أشجار الغابة وقلع أشجار الصنوبر لفتح مسلك وتم تحرير محضر جنحة غابية، ولم تذكر الولاية في إجابتها أنها قامت بمشمولاتها المتمثلة في اشعار بلدية رواد بإصدار قرار الهدم.
حيث لم تردنا إجابة تفيد قيام الوالي بالإجراءات اللازمة فيما يتعلق بالبناء على ملك الدولة الخاص والتي طالما تكرر إعلامها بها وهو ما لم يتم بيانه في إجابة الولاية ليبقى السؤال هل أولت الولاية العناية اللازمة للملف واشعرت السلطة المعنية بضرورة اتخاذ القرار والتسريع في تنفيذه كما هو منصوص عليه، خاصة بعد اعتراف م.ص بمسؤوليته الكلية عن تكسير الغابة الشعراء وتقليع أشجار الصنوبر الحلبي وبناء مستودع على الأرض التابعة لملك الدولة الخاص بصفة غير قانونية، وذلك في 23 فيفري 2023، وفق ما وثقته نسخة من مراسلة تقدم بها المندوب الجهوي للتنمية الفلاحية بأريانة إلى والي أريانة السابق خالد النوري.
ويشير متساكنون قابلتهم المنظمة إلى أن م. ص يتباهى دائما بالنفوذ وبأنه فوق القانون رغم معرفة الجهات المختص بخرقه للقانون، يتهم متساكنو جبل الشرف رئيس بلدية رواد السابق والمكلف بتسييرها حاليا ووالي أريانة (وزير الداخلية الحالي) بغض البصر عن التجاوزات التي يقوم بها مقربون منهم كالحوز والبناء على ملك الدولة الخاص، مقابل الإسراع في إصدار قرارات الهدم ضد الأهالي المخالفين الذين لا تجمعه بهم علاقات مصلحة أو صداقة، وفق قولهم.
ويختص رئيس البلدية بإسناد التراخيص المتعلقة بالاستعمال العقاري وخاصة قرارات التقسيم ورخص البناء ورخص الهدم وفقا للإجراءات المنصوص عليها بالتشريع الجاري به العمل، وذلك في أجل أقصاه شهر من تاريخ حصوله على رأي اللجنة، ويكون قرار الرفض معللا، وفق الفصل 258 من مجلة الجماعات المحلية.
ووفق الفصل 56 من مجلة الغابات في الباب الخامس يعاقب كل من قام بالتكسير بنفسه أو بواسطة الغير ودون رخصة سابقة بخطية مالية تتراوح بين 100 دينار و1000 دينار عن كل هكتار من الأرض التي تم تكسيرها، ويعاقب كل من حاز عقارا على ملك الدولة الغابي وشيد به بناية أو مأوى أو سياجا مهما كان نوعها ولو بصفة وقتية بدون ترخيص سابق من الوزارة المكلفة بالغابات بخطية تتراوح بين 20 دينار إلى 100 دينار وبتهديم البناية أو المأوى أو السياج على نفقته الخاصة في أجل قدره 30 يوما من تاريخ صدور الحكم بذلك وفق أحكام الفصل 78 من مجلة الغابات.
هذا وتعاني منطقة رواد جبل الشرف من بروز بنايات فوضوية بشكل مستمر من خلال حوز أراضي على ملكية الدولية والبناء عليها، أو البناء دون الحصول على رخصة، هذا ولم تتوان البلدية في إصدار قرارات الهدم ضد الأهالي المخالفين وفق ما رصده عملنا الميداني في المنطقة، مقابل تجاهل دعوات الهدم التي تقدمت بها الجهات الرسمية ضد م.ص.
رغم تشكيات المواطنين والمراسلات المتتالية التي تثبت تعدي م .ص على ملك الدولة الخاص وثبوت قيامه بجنحة غابية تتمثل في قلع الأشجار والبناء دون رخصة على ملك الدولة الخاص ورغم بلوغ العلم للإدارة بهذه الجرائم لم تتفاعل مع عرائض المواطنين ولم تقم بإجراءات المعاينة اللازمة ولم تتخذ الاجراءات القانونية لوقف هذه التجاوزات، وهو ما يدفع للتساؤل ما الذي يقف وراء تقاعس رئيس بلدية رواد والمكلف بتسييرها بعد قرار حل المجالس البلدية ووالي أريانة عن أداء وظائفها في علاقة بملف جبل الشرف رغم مرور أكثر من سنتين على تلقيهما إشعارات من السلط المتدخلة والتي تفيد بثبوت الانتهاكات والتجاوزات وهو ما يكرس ثقافة الإفلات من العقاب وعدم احترام القانون والمحاباة.