تونس لن تكون حارس حدود لأي دولة كانت" مقولة لا تكاد تغيب عن لسان رئيس الجمهورية قيس سعيد كلما طرح موضوع الهجرة غير النظامية من دول إفريقيا جنوب الصحراء فهل أن تونس تعمل فعلا على إدارة ظاهرة الهجرة غير النظامية بشكل دبلوماسي مدروس أم بشكل اعتباطي؟ وهل أن مقولة عدم حراستنا لحدود أي دولة كانت واقعا ملموسا أم تضليلا وشعبوية مقيتة؟ نحاول من خلال هذا التحقيق الإجابة عن هذه التساؤلات.
أثارت تصريحات رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال مجلس الأمن القومي المنعقد في 06 ماي 2024 تهكم المتابعين فعوض أن يسفر مجلس الأمن عن قرارات مصيرية لاحتواء الأزمة اكتفى الرئيس برشق التهم والتساؤل عن معطيات من المفترض أن تكون معلومة لدى أجهزة الدولة.
وتساءل الرئيس:" وضع داخلي غير طبيعي، كيف دخل هؤلاء؟ وكيف تدفقوا بالآلاف؟ وكيف تم توطينهم خارج أي إطار قانوني؟...وفي نفس الوقت تدفق الأموال من الخارج بالمليارات بالأمس اطلعت على وثيقة بمركز واحد بصفاقس أكثر من 20 مليار... كيف دخلت هذه الأموال وأين لجنة التحاليل المالية؟" ويعود ليؤكد: أن تونس لن تكون أرضا لتوطين هؤلاء، ولن تكون مقرا لهم وتعمل على أن لا تكون معبرا لهم وعلى دول شمال المتوسط أن تتحمل مسؤولياتها".
في المقابل، تنتهج الدولة التونسية سياسة تعتيم ممنهجة وواضحة في علاقة بظاهرة الهجرة غير النظامية، وذلك من خلال غياب الشفافية في نشر محتوى الاتفاقيات المبرمة مع الاتحاد الأوروبي وإيطاليا وخططها الحالية والمستقبلية. إلى جانب غياب أرقام رسمية حول عدد المهاجرين الواصلين إلى تونس وعدد المهاجرين الذين وقع ترحيلهم من تونس وعدد المهاجرين الذين تم اعتراضهم في البحر الأبيض المتوسط وقيمة ومصادر الأموال الأجنبية التي وقع تحويلها إلى تونس بهدف "توطين المهاجرين" و"تغيير التركيبة الديمغرافية" للبلاد التونسية. وذلك وفق تصريحات الرئيس التي تعود إلى فيفري 2023، ورغم أنها وردت ولاتزال دون أدلة إلا أنها أججت موجة عنف وعنصرية ضد المهاجرين وطالبي اللجوء السود من دول إفريقيا جنوب الصحراء.
مثل هذا التعتيم المعلوماتي منطلقا للطعن في رواية رأس السلطة المتمثلة في أن تونس لن تكون حارس حدود لأوروبا، حيث تشير معطيات نشرتها وزارة الداخلية الإيطالية إلى أن معدل المهاجرين الوافدين من تونس إلى إيطاليا قد تراجع بنسبة 67.7% منذ بداية جانفي 2024 إلى حدود 06 ماي 2024، مقارنة بذات الفترة من سنة 2023، أي عقب توقيع مذكرة التفاهم الاستراتيجية والشاملة بين تونس والاتحاد الأوروبي في جويلية 2023 ومذكرة التفاهم للتعاون في مجال التصرف في تدفقات الهجرة بين تونس وإيطاليا في أكتوبر 2023.
هذا ومن المفترض أن تتلق تونس خلال العام الجاري والسنة القادمة 09 مليون يورو من الحكومة الإيطالية كمعلوم لدعم قيمة المحروقات المستعملة من قبل الوحدات البحرية لاعتراض قوارب المهاجرين المنطلقة من السواحل التونسية نحو إيطاليا، بالإضافة لـ 4.8 مليون يورو لدعم 06 وحدات بحرية، وفق وزارة الداخلية الإيطالية.
وتؤكد معطيات نشرتها المنظمة الرقابية Statewatch.org التي تقوم بمتابعة السياسات الأوروبية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسة في إطار متابعتها لمدى تقدّم برنامج التعاون الثنائي بين تونس والاتحاد الأوروبي في مجال الهجرة، أن تونس قد تلقت أواخر سنة 2023 حزمة مساعدات فورية بقيمة 25 مليون يورو لاقتناء قطع الغيار وصيانة الوحدات البحرية بهدف إعادتها للعمل وتشجيع برامج العودة الطوعية للمهاجرين من تونس نحو بلدانهم الأصلية وحمايتهم. كما وافقت تونس في ديسمبر 2023 على تلقي 42 مليون يورو لتدعيم وتدريب القوات البحرية على اعتراض قوارب المهاجرين داخل البحر.
هذا بالإضافة إلى وجود برنامج دعم مالي مستمر منذ سنة 2021 تقدمه الحكومة الإيطالية لتونس لتعزيز عمليات الاعتراض في البحر تلقت بموجبه تونس 52 مليون يورو خلال سنوات 2021 و 2022 و 2023.
وأمام زخم هذه الاتفاقيات المندرجة في إطار دعم الاتحاد الأوروبي وروما المالي للسلطات التونسية بهدف حماية حدودهم البحرية من قوارب المهاجرين غير النظاميين، يتجلى من خلال الأرقام أن تونس حارس فعلي لحدود أوروبا مقابل ملبغا زهيد وبعض من الزوارق وبضعة ليترات من الوقود، مقابل غياب أي اتفاق مع جارتينا ليبيا والجزائر حول موضوع الهجرة غير النظامية واللتان تمثلان الممر الوحيد لدخول المهاجرين إلى تونس وسط غياب مقاربات لتعزيز بلادنا رقابتها على حدودها الشرقية والغربية. وبما أن نظرية المؤامرة لتغيير التركيبة الديمغرافية لتونس لم تتعد حاجز القول في ظل غياب معلومات رسمية تثبتها، يمكننا القول إن هذه المؤامرة ليست إلاّ شعارا أجوف يتمّ استعماله لتغييب الحقيقة عن التونسيين.