سماسرة الدياليز في الوزارة وخارجها!

| 0 مشاركة
w1

فضلا عن دور الممرض سالم وغيره من زملائه المشتغلين بالقطاع العمومي، في تحويل وجهة المرضى نحو مصحات خاصة مقابل رشاوي وامتيازات، يساهم الدكتور عثمان بدوره في إضفاء مزيد من الفوضى على قطاع تصفية الدم، بما إنه لا يكتفي - كمسؤول عن ملف المصحات الخاصة بوزارة الصحة - بالتغاضي عن كل التجاوزات الحاصلة في هذه المراكز بل يزاول عملا موازيا كطبيب معوض لدى الكثير من المراكز ويتفانى في افشاء اسرار الوزارة كلما تعلق الامر بمهمات تفقد رسمية بهذه الفضاءات.

أما أصحاب المراكز فقد بلغ بهم الامر حد ابتزاز طالبي الشغل من الأطباء الشبان، بفرض عقود عمل وهمية، بالاضافة الى التغيب عن حصص التصفية تاركين مرضاهم يواجهون مصيرهم دون أي طبيب مباشر. باقي التفاصيل في هذا الجزء الثاني من الرواية الصحفية

مركز خاص لتصفية الدم وسط تونس

6:50

بعد مرور حوالي ساعتين على انطلاق الحصة الصباحية لتصفية الدم، يصل الدكتور عثمان ليتجه مباشرة الى قاعات التصفية في جولته الصباحية المعهودة للاطمئنان على المرضى ثم يتبادل حوارا خاطفا مع الممرض سالم الذي يستعد للمغادرة في اتجاه المستشفى العمومي.

يفتح الطبيب مكتبه ثم يدوّن وصفة طبية لاحد المرضى مذيّلا اياها بختم طبيب اخر متعاقد مع المصحة، موصيا أحد الممرضين بتسليمها لصاحبها. كان الدكتور عثمان يتحاشى الامضاء على الوصفات الطبية حتى لا يترك اي أثر أو دليل قد يؤكد ضلوعه في ممارسة عمل مواز أو في تضارب للمصالح

مع تمام الثامنة والربع يرن هاتفه الشخصي. انه زميله بوزارة الصحة يسأل عن موعد قدومه لحضور اجتماع هام، فيغادر الطبيب على الفور للالتحاق بوزارة الصحة..

في قاعة رحبة مطلة على هضبة باب سعدون، حيث يوجد أكثر من خمس مؤسسات استشفائية عمومية بالعاصمة، يلتئم اجتماع، من أبرز محاوره التجاوزات الحاصلة بمراكز تصفية الدم.

تناقش الحاضرون وتجادلوا وتساءلوا بينما استرسل عثمان في تعداد الشكايات الواردة على مكتبه من مرضى ومن عموم المواطنين بخصوص التجاوزات المقترفة في قطاع تصفية الدم.

انتهى الاجتماع وانفضّ المشاركون، بينما غادر عثمان القاعة نحو سيارته، اين هاتف صاحب مصحة خاصة بنابل لتنبيهه من برمجة زيارة تفقّد الى مؤسسته خلال مطلع الأسبوع ثم شد الطريق الى مدينة بن عروس لتعويض طبيب أخر في الاشراف على حصة تصفية الدم بمركز.

عثمان هو موظف لدى وزارة الصحة، حيث يشتغل مديرا بإحدى المصالح المختصة في مراقبة المصحات الخاصة، ويتعهد بالنظر في مدى مطابقة هذه المصحات لكراس الشروط ويستقبل شكايات المرضى.

مركز خاص لتصفية الدم وسط تونس

9:00

تطل شاحنة بلدية تونس المخصصة لجمع القمامة متهادية من أخر الزقاق وهي تنز بالمياه الأسنة والسوائل الرمادية، فيما تتدلى الاكياس المعبأة بقوارير البلاستيك على جنباتها كأذني دابة هدها البحث عن فريسة تكفّر بها عن جوعها..

يقفز عمال النظافة من خلف الشاحنة قبل حتى توقفها، ثم يتوزعوا بين جامع لما تيسر من قوارير بلاستيكية ومنقض على اكياس القمامة السوداء من داخل المصحة ومتحدث مع أحد العمال. في ظرف دقائق تُسكب القمامة الصحية في بطن الشاحنة، ويعود العمال الى مواقعهم، حيث تعودوا امتطاء مؤخرة الشاحنة وقوفا دون قفازات تقي اياديهم من وخز الابر وجراح الآلات الحادة وعدوى الفضلات الكيمياوية.

تنص القوانين المنظمة لقطاع المصحات الخاصة على ضرورة توقيعها لاتفاقيتين في مجال الفضلات، واحدة مع البلديات لرفع القمامة التي لا تشكل أي خطورة وأخرى مع شركة مختصة في النفايات الصحية لرفع الفضلات الكيميائية والسامة، بينما يؤكد نبيل ريدان مدير التراتيب ومراقبة المهن الصحية بوزارة الصحة ان ''أغلب المصحات تكتفي بابرام اتفاقية مع احدى الشركات ثم سرعان ما توقف التعامل معها دون خلاصها''.

في هذه الحالة يتم التحايل على عمال البلدية بوضع النفايات الصحية الخطيرة في أكياس سوداء محكمة الاغلاق. ولئن أكد الأخضر الدخيلي مدير النظافة ببلدية تونس حرص عمال النظافة على فتح أكياس القمامة قبل رفعها، فقد رصدت أنا يقظ مرور شاحنات النظافة على ثلاثة مراكز ثم رفع فضلاتها الصحية دون التأكد من محتوى الاكياس.

مجموعة من أعوان النظافة بصدد رفع نفايات صحية من أحد مراكز تصفية الدم

"يشهد ما لا يقل عن 14 مركزا لتصفية الدم من مجموع 18 مركزا تمت مراقبته من قبل وزارة الصحة عدم احترام لقواعد تجميع وفرز والتخلص من النفايات الصحية المعدية وفي بعض الأحيان غياب ابرام اتفاقيات مع شركات مرخص لها في معالجة هذه الفضلات." تقرير التفقدية الطبية بوزارة الصحة بين 2015 و2017

''لم يشمل مشروع النهوض بالتصرف في النفايات الصحيّة الذي انطلق في 2008، الذي يهدف الى معالجة 3200 طنا من هذه النفايات سنويا، كل المراكز الخاصة لتصفية الدم والتي تنتج سنويا 1200 طنا في السنة. وفي غياب متابعة هذه المراكز لا يمكن معرفة مآل النفايات التي تنتجها''. تقرير دائرة المحاسبات عن التصرف في النفايات الخطرة بين 2010 و2015

مركز خاص لتصفية الدم بنابل

10:00

يستقبل صاحب مركز خاص لتصفية الدم الطبيب الشاب أنس الذي لايزال يواجه صعوبات كبيرة في العثور على شغل دائم في مجال تصفية الدم. يستهلّ صاحب المصحة كلامه بالتذمّر من الأزمة الاقتصادية التي يعانيها جراء الديون المتخلّدة بذمته للبنوك، طالبا منه امضاء عقد عمل وهمي مع مؤسسته للاستظهار به عند خضوع مصحته لأي زيارة تفقد من قبل وزارة الصحة، واعدا اياه بامكانية تشغيله بعد انتهاء هذا العقد الوهمي. وبنبرة أقرب الى الالتماس يعيد صاحب المصحة نفس الطلب مبينا ان السيد عثمان المدير بوزارة الصحة قد نصحه بضرورة تدارك كل الإخلالات التي من شأنها اثارة حفيظة المراقبين على غرار العقود مع الأطباء.

مركز خاص لتصفية الدم بمنوبة

12:30

بعد ثمانية أشهر من الخضوع الى حصص لتصفية الدم بالمركز الخاص، بدأ الشيخ السبعيني حامد يفكر في الشروع في إجراءات الانتقال الى مركز آخر، لقد نفد صبره من رداءة الخدمات المقدمة له ولغيره من المرضى. اذ اكتشف خداعه من قبل المرشدة الاجتماعية بالمستشفى العمومي التي ألحت عليه بالتوجه الى هذا المركز، لكنه وقف على عدم توفر طبيب مباشر طيلة حصص التصفية، بما إن صاحب المركز الذي يسهر على حصص التصفية كان عادة ما يترك المرضى يواجهون مصيرهم ليقصد المسجد لأداء صلاته أو يأتي متأخرا تاركا مرضاه تحت وصاية أحد الممرضين. أما أغرب ما صادفه فهو تغيب هذا الطبيب لأكثر من مرة للسفر خارج تونس، ما يعني عدم وجود أي طبيب مباشر طيلة تلك المدة.

ومع تهاطل تشكيات المرضى لجأ صاحب المصحة الى التعويل على أكثر من طبيب مباشر بمستشفى عمومي لتعويضه عند سفره. هذا الاجراء لم يستسغه المرضى نظرا لعدم اطلاع هؤلاء المعوضين على كل تفاصيل الحالة الصحية لكل مريض.

عدد الأطباء المباشرين بالعديد من مصحات تصفية الدم غير مطابق للقوانين المنظمة لعمل هذه المصحات". تقرير التفقدية الطبية بوزارة الصحة بين 2015 و2017

 

تكتشفون غدا في الجزء الثالث من المقال:

←  أسباب حرمان المريضة حسناء من حصص التصفية

←  علاقة الممرض سالم والدكتور عثمان بمراقبي وزارة الصحة

←  وجهة الطبيب الشاب أنس بعد سنوات من مماطلة المراكز الخاصة

 

 

 

 

 -----------------------------------

تنويه: لئن حرصنا على تغيير أسماء الشخصيات المحرّكة لهذه الرواية الصحفية وغيّبنا تسميات المراكز الخاصة والمستشفيات العمومية المحتضنة لمجمل الاحداث، فإننا نمتلك قائمة الأسماء الحقيقية لكل الظالعين في تجاوز القانون من مراكز وموظفين عموميين، مع تأكيدنا على حقيقة كل الوقائع المذكورة.