مؤشر مدركات الفساد لسنة 2024 :تونس تواصل التراجع
تصدر اليوم منظمة "أنا يقظ"، فرع منظمة الشفافية الدولية في تونس، عن نتائج مؤشر مدركات الفساد في القطاع العام لسنة 2024 والذي أوضحت نتائجه أن مستويات الفساد تواصل الارتفاع في جميع أنحاء العالم خاصة بتواتر الحروب والنزاعات وممارسات الفصل العنصري والقمع المسلط على الشعوب.
هذا ويعتبر "مؤشر مدركات الفساد" آلية لقياس النسب المدركة لفساد القطاع العامّ في كلّ دولة، و يشمل 180 دولة وإقليما وينجزه عدد من الخبراء وفق منهجية مضبوطة، اعتمدا على قائمة مراجع يقع تحينها كل فترة زمنية، وعليه وجب الإشارة أن هذا التقرير ليس استبيانا وإنما هو تقدير الخبراء لواقع الفساد في الدول المعنية بالتقرير.
تحصلت تونس في سنة 2024 على 39 نقطة من أصل 100 (حيث يكون الصفر الأكثر فساداً و100 الأكثر نزاهة) وتكون بذلك قد تراجعت مرة أخرى مقارنة بالسنة الماضية والتي تحصلت فيها على40 نقطة. وتحصلت من حيث الترتيب على المرتبة 92 عالمياً من أصل 180 دولة أي بتراجع يقدّر بخمس رتب مقارنة بالسّنة الفارطة، وهي أدنى مرتبة لها منذ سنة 2012، وجاءت كلّ من المغرب والجزائر في درجات أقلّ من تونس في حين تحصّلت كلّ من الأردن وعمان على درجات أحسن في الترتيب. وتحتل الدنمارك الصدارة كدولة خالية من الفساد بـ90 نقطة في حين تتذيل جنوب السودان الترتيب بـ8 نقاط.
ويمثل التراجع الذي تشهده تونس نتيجة حتمية للغياب الواضح لسياسات واستراتيجيات حقيقية لمكافحة ظاهرة الفساد منذ الثورة حيث لم تفلح تونس على امتداد الثلاث عشر سنة الماضية في تجاوز عتبة الخمسين درجة، بل أنّها أضحت في تراجع مستمرّ منذ 3 سنوات بعد أن حققت تقدما معتبرا بعد سنّ عدد من القوانين أهمهما قانون حماية المبلغين و قانون الحق في النفاذ إلى المعلومة وبتركيزها عدد من المؤسسات كهيئة مكافحة الفساد وهيئة النفاذ إلى المعلومة. وحيث تعود أسباب التراجع السنوي لتونس في النقاط والترتيب للأسباب التالية:
- تواصل غلق مقرّ هيئة مكافحة الفساد للسنة الثّالثة على التوالي دون أي موجب قانوني، وتجميد العمل بالقانون الأساسي المتعلّق بالإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغات والمبلّغين. كما جمّد غلق الهيئة تطبيق القانون المتعلّق بتضارب المصالح والإثراء الغير المشروع في علاقة بالتصريح بالمكاسب وهو ما يفتح بابا أمام الاثراء غير المشروع لكل المناصب خاصة القضائية والتنفيذية والمجالس المنتخبة.
- كان القضاء بدوره من أهم أسباب تراجع نتائج المؤشر إذ ولئن قامت السلطات بإيقاف عدد من المشتبه فيهم بالفساد فقد نسفت كل مقومات المحاكمة العادلة وغيبت على المواطن المعلومة في خصوص تبعات والأسباب الحقيقية للإيقافات. هذا بالإضافة لطول الإجراءات القضائية الغير مبرر في جلها. وفي نفس المجال الزمني شارك القضاء في التضييق على الفضاء المدني وقام بعديد التتبعات في حق إعلاميين وناشطين مدنين وسياسيين وجمعيات بهدف تعطيل نشاطهم خاصة تلك التي تختص في المساءلة ونقد السياسات العمومية وكشف فشلها في بعض الأحيان.
- وشهد مجال استرجاع الأموال المنهوبة مواصلة الدولة لمراكمة الفشل والإصرار على انكار وجوده والتنصل في الأخير من المسؤوليات التي سيتكبد نتائجها الشعب التونسي.
- شهدت سنة 2024 أيضا، تنظيم انتخابات رئاسية تميّزت باستغلال موارد الدولة وتطويع القضاء وتصفية الخصوم السياسيين وحرمان المجتمع المدني من الملاحظة ممّا جعل منها انتخابات شبه صورية.
ختاما تعتبر منظّمة "أنا يقظ" أنّ التراجع المستمرّ الذي تشهده تونس فيما يتعلّق بنتائج مؤشر مدركات الفساد ليس إلا نتيجة حتمية للسياسية التي يتمّ أتباعها منذ أكثر من ثلاث سنوات من تفرّد واضح بالسلطة وضعف مؤسسات دولة القانون وغياب رؤى واضحة من شأنها أن تحدّ من ظاهرة الإفلات من العقاب وتكافح الفساد في القطاع العام.