الموت في الرضّاعة.. وزارة الصحة غير معنيّة بصحة الأطفال

| 0 مشاركة
w1

تصرّ العديد من الشركات المختصة في توريد المنتجات الطبية وشبه الطبية على ترويج مستلزمات موجهة للرضع في غياب أيّة رقابة من وزارة الصحة ما يشكّل تهديدا جديا لصحة الأطفال. اذ تنتهج العديد من الشركات المستوردة لهذه المستلزمات أساليب خارجة عن القانون، على خلاف الصيغ القانونية، التي تفرض على كل شركة مستوردة لهذه المستلزمات الحصول على شهادة في الرفع الوقتي من إدارة الصيدلة والدواء لتسلم المواد شبه الطبية من المصالح الديوانية ثم تقديم عينات من المستلزمات الى المخبر الوطني لمراقبة الادوية لإجراء رقابة فنية على البضاعة، يشفعها حصول على ترخيص الإحالة على الاستهلاك إذا كانت نتائج التحاليل إيجابية أو اصدار قرار باتلاف المنتج المستورد.

نتحدث هنا عن منتجات شبه طبية من قبيل رضاعات وحليب ومستلزمات لمساعدة الاطفال على نشوء الاسنان ومصاصات موجهة للرضع، فضلا عن مواد شبه طبية أخرى كالإبر والمسامير الصحية لجبر الكسور..

هكذا يتحايلون على القانون

تكتفي الشركات الضالعة في ترويج مواد شبه طبية لماركات عالمية عبر مسالك رسمية دون مراقبة وزارة الصحة، بتوريد البضائع ثم الحصول على شهادة في الرفع الوقتي لإخراج المستلزمات من الموانئ دون تمكين المخبر الوطني لمراقبة الادوية من عينات للقيام بالرقابة الفنية، بل تسارع الى بيع المنتجات للصيدليات والمساحات التجارية الكبرى ومحلات ترويج المواد شبه الطبية.

هنا يفترض ان تتدخل مصالح وزارة الصحة لمراقبة المنتجات المعروضة للبيع بهذه الفضاءات، لكن يبدو ان هناك غيابا شبه كلي للرقابة الرسمية.

تقول كاتبة الدولة للصحة سنية بالشيخ عند مواجهتها من قبل أنا يقظ في 14 نوفمبر المنقضي بهذا الاخلال القانوني الخطير ان وزارة الصحة مجبرة على الترخيص لشركات توريد المواد شبه الطبية، جراء الظروف السيئة لتخزين هذه المستلزمات الحساسة بالموانئ، مضيفة ان ''هذا الاشكال وغيره تم تطارحه في اجتماعات بوزارة الصحة،'' واعدة ''بتطبيق اجراء جديد في القريب العاجل.'' ويبدو انه لم يتم بعد العمل بهذا الاجراء.

ويتجه البعض الآخر من الشركات الى الالتزام في البداية بشروط توريد المواد شبه الطبية، عبر الحصول على شهادة الرفع الوقتي للبضاعة ثم توجيه عيّنات للمخبر الوطني لمراقبة الأدوية ولكنه يخالف القانون بعدم تطبيق قرارات اتلاف المستلزمات التي تصدرها وزارة الصحة ببيع ما تم توريده، في تجاهل تام لما يمكن ان ينجر عن ذلك من تهديدات صحية للرضع، خاصة وان هناك حديثا عن تفشي الامراض السرطانية جراء ترويج مواد شبه طبية بالأسواق التونسية. ورغم ذلك تتشبّث كاتبة الدولة للصحة في تصريحها لأنا يقظ بوجود رقابة قبلية على التوريد وأخرى اثناءه وثالثة بعدية عند الترويج.

صنف ثالث من الشركات يستورد مستلزمات شبه طبية (من المفترض ان تخضع لرقابة وزارة الصحة) ثم يقصد وزارة التجارة للحصول على شهادة في الرفع الوقتي لهذه البضاعة، ما يعني ان هذه الشركات توهم وزارة التجارة باستيراد مواد غير صحية.

وقد حصلت منظمة انا يقظ من بعض المشتغلين في قطاع المواد شبه الطبية على معطيات عن تعمد زملائهم توريد رضاعات او حليب موجه للرضع ثم يخفون البضاعة داخل حاويات للعب لتسجيلها لدى وزارة التجارة على أساس انها لعب ما يجنبهم رقابة وزارة الصحة، هنا لا مناص من التساؤل عن دور مصالح الديوانة في مراقبة هذه البضائع.

بدورها أكدت كاتبة الدولة للصحة سنية بالشيخ هذه المعطيات بحديثها عن توريد بعض الشركات لإبر صحية تقدّمها كمستلزمات للخياطة او مسامير صحية تقدّمها كمواد حديدية خاصة بمحلات بيع المواد الحديدية quincailleries.

المساران القانوني وغير القانوني لتوريد المواد شبه الطبية

 معطيات صادمة على مكاتب اكثر من وزير..

في إطار تقصّيها حول ملف هذه المستلزمات شبه الطبية، حصلت منظمة انا يقظ على معطيات صادمة وخطيرة من أحد الفاعلين في هذا القطاع. فقد أشار في تصريح للمنظمة الى تعمّد أكثر من مستثمر تكوين شركات مختصة في استيراد مواد شبه طبية (لدى انا يقظ قائمة باسمائها) تتكفل بترويج بضائع غير مراقبة من قبل وزارة الصحة. وبعد أن يتم التفطن الى استيرادهم ثم ترويجهم لمستلزمات دون موافقة الوزارة يبعثون شركات أخرى تشتغل في نفس القطاع دون أي تحرك من مصالح وزارة الصحة.

كما حصلت المنظمة على مجموعة من المراسلات الموجهة الى كل من إدارة الصيدلة والدواء والإدارة العامة للديوانة ووزرات الصحة والمالية والتجارة، لتحذيرها من مجمل التجاوزات التي تقترفها هذه الشركات، والتي تشكل خطرا متربصا بصحة أطفالنا.

عينات من المراسلة الموجهة لبعض الوزارات

 

هذه المراسلات الصادرة عن أحد المستثمرين كان لها مفعولا عكسيا، بما ان اهم رد فعل رسمي تم تسجيله هو تسليط مراقبة جبائية معمقة على شركة هذا المستثمر عوض التصدي لمافيات المستلزمات شبه الطبية غير المراقبة.

وقد اتصلت منظمة أنا يقظ بكل من الإدارة العامة للديوانة ووزارة الصحة وإدارة الصيدلة والدواء والتفقدية العامة بالوزارة باعثة ب11 مطلب نفاذ للاستفسار حول الإجراءات المتخذة ضد الشركات الضالعة في ترويج مواد شبه طبية خارج الرقابة الرسمية، لتواجه بمماطلة إدارية في الاستجابة لهذه المطالب.

وفي 13 نوفمبر السابق استجابت كاتبة الدولة للصحة سنية بالشيخ الى طلب انا يقظ، بعقد لقاء بحضور كل من مصطفى المزغني مستشار وزير الصحة ولطفي السلامي، متفقد عام في الصيدلة وسمير عبد الجواد، متفقد عام ومستشار لدى وزير الصحة.

في هذا اللقاء الذي دام أكثر من ساعة ونصف بيّنت كاتبة الدولة للصحة ان ''في رفوف الوزارة تشخيصا لمشاكل قطاع استيراد المستلزمات الطبية منذ حوالي 10 سنوات،'' متسائلة: ''لماذا لم يتم التحرك حينها؟ ذلك شأن يهم من سبقونا.''

أما بالنسبة للإجراءات التي يفترض اتخاذها لوقف هذه التجاوزات الخطيرة، فقد اكدت سنية بالشيخ ''انطلاق الوزارة في العمل على استراتيجية جديدة لتسجيل المستلزمات المستوردة منذ 12 أكتوبر الماضي،'' مشيرة الى ان ''هناك نصوصا ترتيبية وجب الاعداد لها.''

في هذا السياق قالت كاتبة الدولة للصحة: ''عقدنا اجتماعات بخصوص ملف استيراد المستلزمات وشرّكنا كل المتدخلين بما في ذلك الغرفة النقابية لأصحاب المؤسسات المستوردة واستمعنا اليهم لنصل الى النتيجة التالية: أي مستلزم سيتم استيراده يتم بالضرورة تسجيله رفقة اسم الشركة المستوردة لدى مصالح وزارة الصحة.''

وفي غضون ذلك لا يزال الكثير من المستلزمات شبه الطبية في متناول الرضع دون ان تتحرك وزارة الصحة او غيرها من الإدارات ذات الصلة بهذا القطاع لمنع تجار الموت المحدق بالرضع من مواصلة انتهاج نفس الأساليب الخارجة عن القانون. ألم يحن الوقت بعد لتحيين القوانين المنظمة لهذا القطاع لتجريم هكذا تجاوزات، وقبل ذلك سحب كل المنتجات غير المراقبة من قبل مختلف الوزارات المعنية بهذا الملف.