دأبت أنا يقظ منذ سنتين على توفير دورات تكوينية في الصحافة الاستقصائية لفائدة العشرات من الصحفيين الشبان من مختلف الجهات ووسائل الاعلام المكتوبة والسمعية البصرية والالكترونية، في سعي من المنظمة لدعم القدرات التحريرية للطاقات الشابة مع خلق جيل جديد من الصحفيين المتمكنين من تقنيات الاستقصاء والتحري التي من شأنها المساهمة في تعقب الفساد المالي أو الإداري وكشف مكامنه.
وفي هذا السياق يأتى هذا التحقيق الاستقصائي الذي انجزه الصحفي عيسى زيادية عن مافيات صرف العملة بعد مشاركته في دورة تدريبية في الصحافة الاستقصائية أمّنتها أنا يقظ لثلة من الصحفيين في سنة 2016.
جولة صغيرة في العاصمة، في محيط ''باب بحر'' تحديدا، المتاخم لوزارة الداخلية لدلالة أكبر، كفيلة بأن تكشف لأي مارّ تحركات تجار السوق السوداء في العملة، حتى أن خطواتهم السريعة ووقفاتهم المحسوبة بدقة والوشوشات المفضوحة بعبارات «صرف.. صرف» باتت مشهدا مألوفا لا يحتجب على أحد. هؤلاء التجار «الصيادون» ينتظرون متلهفًا لاستبدال عملات أجنبية أو باحثا عن شراء مبالغ أجنبية لا يوفرها له القانون من البنك أو لا يمنحه حق الاحتفاظ بها..
خلف زوايا الأزقة القريبة أو السيارات الرابضة تتم عملية البيع والشراء في لحظات معدودة بعد سؤال وجواب لا غير، ودون مساومات.
أما في المدينة الحدودية "بن قردان" جنوب البلاد فإن للسوق السوداء للصرف شارعا كاملا مستقلا بذاته تعمّره مكاتب صرافة متلاصقة تعمل بصخب دون همس أو تردّد، ذلك أن القانون القاصر شمالا غير موجود جنوبا.
وليس ذلك فحسب، ففيما يتعلق بالوزارة، فالخبر الأخير يتحدث عن ادانة المحكمة لوزير المالية السابق محمد فاضل عبد الكافي بتهمة تهريب العملة وتغريمه بمبلغ 550 ألف دينار سُبق باعتراض على حكم غيابي سابق صدر سنة 2014 وقضى حينها بسجنه وتغريمه 1.8 مليون دينار.
في هذا التحقيق نقدّم خلاصة رحلة من الاستقصاء والتحري نكشف من خلالها كيف تزدهر السوق السوداء لصرف العملة تحت مرمى ومسمع الأجهزة الأمنية وكيف يؤدي هذا النشاط غير القانوني إلى تدمير الاقتصاد وربما تمويل الأعمال المشبوهة.
نظام تسويق افتراضي
في مرحلة أولى من رحلتنا لجأنا إلى شبكة الانترنت للبحث عن ارتدادات هذا النشاط الموازي للقانون، ومعرفة حجم المعلومات المتوفرة عنه وطبيعتها. في غضون ثوانٍ ظهرت أمامنا على موقع فيسبوك مجموعات وصفحات ناشطة في مجال تصريف العملة، تعود الى منطقتي بنقردان وتطاوين الحدوديتين. أهم هذه الصفحات تحمل اسم «أسعار الصرف في تطاوين» ويتابعها قرابة الستة آلاف شخص. في هذه الصفحة تُنشر أسعار صرف اليورو والدينار الليبي مقابل الدينار التونسي يوميا، وتوقفت أنشطة الصفحة لعدة أيام خلال إجراء هذا التحقيق، ويزعم صاحبها -الذي نشر صورة لوجهه مخفيا- أنه كان حينها في رحلة خارج البلاد.
تنشر هذه الصفحة منشورين تقريبا في اليوم، يتضمنان أسعار الصرف فيما يتم تنسيق المعاملات عبر رسائل تمت برمجتها الكترونيا على الصفحة تتضمن رقم الهاتف الشخصي للصراف. فيما لا يقل التفاعل مع المنشورات عن الثلاثين ويصل أحيانا الى الستين.
يذكر أن أسعار الصرف تنشر أيضا في صفحات أخرى على غرار صفحتي "أسعار الصرف ببنقردان" و"أخبار رأس جدير"، وهو المعبر الحدودي مع ليبيا الذي يقود إلى بن قردان، ويصل متابعو تلك الصفحة إلى 400 ألف متابع.
بنقردان.. جنّة السوق السوداء
بدأت ملامح القصة تتشكل الآن، بدا واضحا أن منطقة «بن قردان» الحدودية مع ليبيا هي أحد أهم معاقل تصريف العملة في السوق السوداء، إذ تعد أول مدينة بعد المعبر الحدودي رأس جدير من الجانب التونسي، الأمر الذي يجعل من المسافرين في الاتجاهين يدأبون على تحويل أموالهم هناك بعيدا عن الرقابة المصرفية بطريقة أسهل، لا تستوجب تصريحا بالهوية أو بالكشف عن مصدر الأموال. كذلك تمنح الأشخاص والتجار والمهربين ميزة الاحتفاظ بالعملة الأجنبية دون أية رقابة والتي تعد مهمّة في عمليات التبادل التجاري الخارجي الذي يسِمُ المدينة الحدودية خصوصا لما تشهده قيمة الدينار التونسي في هذه الفترة من تراجع حادّ مقابل العملات العالمية فيصبح الاحتفاظ بها في حدّ ذاته تجارة رابحة وسهلة، لذلك كانت بن قردان محطتنا التالية..
الطريق إلى هناك استغرق 8 ساعات بالحافلة التي انطلقت من العاصمة تونس. هناك تبدد لنا كثير من الغموض المتبقي حول الموضوع فما أن تدخل ولاية مدنين التي تتبعها بن قردان حتى تتراءى لك على حافتي الطريق لافتات كتب عليها صرف، رغم أنها كانت خالية من أصحابها في الغالب إلا أنها كانت فعلا نقاط صرف علنية في مقرات غالبا ما تكون بألواح معدنية ومن دون أبواب.
غير بعيد عن محطة بن قردان حيث نزلنا، وفي الشارع الرئيسي للمدينة المتواضعة القابعة وسط قيظ الصحراء وقسوة الجغرافيا، وحيثما يوجد مكتب البريد علاوة على إحدى البنوك العمومية، شاهدنا محلات صرافة صغيرة، لا يتجاوز عرض الواحد منها مترين، تتراص متلاصقة على طرفي الشارع، فيما يتصدّر المشهد أمام كل محل منهم مكتب –غالبا حديدي- يجلس خلفه الصرافون الذي تتباين أعمارهم ما بين العشرين وحتى الثمانين.
عند وصولنا إلى هذا المكان، تظاهرنا بأننا زبائن نسعى لشراء ورقة من فئة مائة دولار. المحل الأول الذي قصدناه كان لرجل ستيني، يجلس هادئا على أريكة عريضة يطالع باهتمام إصدار قديم لإحدى الصحف. استقبلنا الشيخ بوجه بشوش وبترحاب شديد، غير أنه اعتذر عن عدم إعطائنا المبلغ المنشود بالعملة الأجنبية لعدم توفره لديه، ناصحا بالتوجه إلى جاره الذي كان شاباً ثلاثينيا يرتدي ملابس رياضية. رحب الشاب بزبائنه وطلب 257 دينار -حينها - مقابل المائة دولار في الوقت الذي كان سعر المائة دولار في البنك لا يتجاوز الـ 245 دينار. دسّ الصراف يديه داخل الدرج حيث كان يخزّن عملات أجنبية مختلفة وسلّمنا الورقة النقدية في غضون ثواني معدودات.
قال الصراف إن أهم العملات التي يتم تداولها هناك هي اليورو والدولار ثم الدينارين الجزائري والليبي وهما غير محبّذين لتدني قيمتهما النقدية. بسؤاله عن مخاطر حيازة هذه العملات الأجنبية إذا ما استوقفنا رجل أمن، فأجاب ضاحكا: "ليس هناك ما تخاف منه، الأمور هنا عادية منذ عهد بن علي، ولا مشكلة في ما نقوم به، ولكن يمكنك أن تبقيها بعيدة عن الأنظار تحسبا لأي طارئ، ولكن لا داعي للخوف عموما".
بسؤاله عن كم العملة التي يمكنه تصريفها، فردّ والابتسامة تكسو وجهه: "يمكنك أن تأتي بأي مبلغ بالدولار أو اليورو وأن تكدسه أمام المحل هنا على مرأى المارة دون أن تخاف من أي شيء."
تركناه وواصلنا جولتنا عبر الشارع والتنقل بين المحلات المتلاصقة. بالنسبة لنا كزبونين كان الأمر عاديا جدا ولكن ما كان يمثل خطرا علينا هو اعتمادنا على توثيق جميع تعاملاتنا عبر التصوير السري والحرص على عدم فضح أمرنا. في اليوم التالي حاولنا استرجاع الأموال بالدينار التونسي. وبما أن الدولار كان يشهد إقبالا كثيفا فإن الأمر كان أسرع من المرة الأولى. فضلنا أن نتنقل إلى جهة أخرى من المدينة وأن نعيد عملية التصريف هناك حتى لا نلفت الأنظار. استقلينا سيارة تاكسي إلى طريق المعبر الحدودي رأس جدير حيث توجد محلات لبيع الأجهزة الإلكترونية وأثاث آخر للمنازل يتم ادخالها للبلاد عبر عمليات تهريب من القطر الليبي فتباع دون فواتير أو تأمين بأسعار متواضعة جدا مقارنة بما يباع في المسلك القانوني وهي الميزة التي جعلت من المدينة وجهة هامة لكل الراغبين في التبضع بأسعار متدنية.
صادفنا هناك محلاّ فخما للصرف مقارنة بما ألفناه من المحلات الضيقة والمتواضعة التي تتركز بمركز المدينة، تعتليه لافتة تحمل اسم صاحبه، دلفنا المحل الذي كان مكيّفا، وضعت داخله أرائك للزبائن وبه مكتب فخم لعامل الصرافة، كان رجلا في بدايات الأربعينات من العمر بملامح هادئة مثل من تعاملنا معهم سابقا ومتعاونا جدا. رحب بنا فطلبنا منه صرف 100 دولار وسألناه عن السعر فأجاب 251 دينار، ما يعني بفارق 4 دولارات تقريبا عن البنك.
تجار العملة تربطهم علاقات فيما بينهم، ففي حديثنا مع تاجر آخر أكد لنا أن لديه صديقا يعمل في نفس المجال في تونس العاصمة يقوم بالتمويه عبر عربة يدوية لبيع السجائر مثلما أكد لنا أنه يمتلك محلا أخر بمنطقة المنار في ضواحي العاصمة.
في غالبية المحلات ترصف الأوراق النقدية من فئة اليورو والدولار في أدراج أسفل المكاتب وقد تكون أحيانا في أكياس ولكن ليست بذات الحجم في جميع المحلات حيث أن هذه المحلات مثل الشركات متفاوتة الحجم وقيمة التعاملات.
في حوار آخر مع أحد الصرافين بشارع الصرف أكد لنا أيضا أنه قادر على صرف أي مبلغ مهما كان حجمه المهم أن يكون من العملتين الأساسيتين وهما اليورو والدولار، لافتاً إلى أن لا ضير في أن يكدس الأموال على مكتبه قبالة الشارع، مبرهنا على كلام بقية تجار العملة الذين قابلناهم وأكدوا جميعا عدم الخوف من تتبعات رجال الأمن خصوصا إذا كان المبلغ ليس كبيرا.
الفوارق بين البنوك والسوق السوداء
تظهر أولى الفوارق بين السوق السوداء والبنوك في سعر بيع وشراء العملة الذي يرتفع في الأول إلى أكثر من عشرين يورو أو دولار على كل مائة يورو أو دولار مقارنة بسعر البيع في البنك.
وهنا لا بدّ أن نذكر بأننا اضطررنا إلى دفع 257 دينارا لشراء 100 دولار في مرة أولى وارتفع السعر في اليوم الثاني إلى 260 دينار، في الوقت الذي كان سعر شراء المائة دولار في البنك في حدود 243 دينار. ولكن يمنع البنك من تسليم العملات الأجنبية ما يجعل من السوق السوداء المصدر الوحيد لها.
الفرق في البيع واضح أيضا، حيث بعنا المائة دولار في يومين متتالين بـ 257 دينار في حين لا تتجاوز في البنك حينها الـ 247 دينار.
لبيان الفارق المهم في قيمة الصرف، نقدّم في الغرافيك التالي نتائج رصد سعر صرف العملات في السوق السوداء من جهة وفي السوق البنكية من جهة ثانية في يوم ثابت ، أي "الثلاثاء" علي مدار ثلاثة أسابيع:
ونظرا لأن الأمر بدا أنه لا يقتصر على فارق القيمة كان لا بدّ أن نبحث في الآليات البنكية وخصوصيات المسار القانوني لاستبدال العملة لذلك اتصلنا بأحد الموظفين البنكيين وكان يوسف بن فضل، موظف بإحدى البنوك الخاصة في تونس، و الذي أكد أن المسار القانوني الوحيد للحصول على العملة الأجنبية في تونس هو التوجه إلى البنوك أو صناديق الصرف الموجودة في المطارات مع ضرورة الاستظهار بجواز السفر بهدف الحصول على المنحة السياحية وهي منحة تسدى إلى المسافرين يتم بمقتضاها إسناد قيمة عملة أجنبية لا تتجاوز 6000 دينار تونسي بالنسبة للبالغين و3000 دينار لمن لم تتجاوز أعمارهم 10 سنوات.
وفي صورة عدم السفر والاحتفاظ بالعملة يعرض المواطن نفسه في المرة القادمة التي يحاول فيها السفر إلى مأزق قانوني تنجر عنه خطايا من البنك المركزي نظرا لاحتمال أن يكون قد استخدمها في السوق السوداء.
ويحجر توريد وتصدير الدينار التونسي في شكل أوراق نقدية صادرة عن البنك المركزي التونسي مهما كانت الطرق المستعملة إلاّ بمقتضى اتفاقيات يبرمها البنك المركزي التونسي مع نظرائه أو أي سلطة مختصة أخرى بالبلاد الأجنبية، وذلك وفق الأمر عدد 394 لسنة 2007 المؤرخ في 26/02/2007 والمتعلق بتنقيح وإتمام الأمر عدد 608 لسنة 1977 المؤرخ في 27/07/1977، المتعلق بضبط شروط تطبيق القانون عدد 18 لسنة 1976
فيما يتعلق بالشركات ورجال الأعمال بين لنا الموظف البنكي أنهم يحصلون على مبالغ أكبر بناء على حجم معاملاتهم.
أما بخصوص لجوء كثيرين إلى الأسواق السوداء، أرجع بن فضل ذلك إلى تدني قيمة الدينار الذي وصل إلى حدود 1/3 مقارنة باليورو على سبيل المثال ما يجعل من 6000 ألاف دينار مبلغا بسيطا جدا لا يلبي احتياجات مسافرين كثر يدفع غالبيتهم إلى البحث عن العملة الأجنبية بعيدا عن المسار القانوني والعمل على إخراجها من البلاد سرا.
أما بالنسبة للوافدين إلى تونس، أكد يوسف بن فضل على عدم وجود إجراءات مراقبة للعملات الأجنبية الوافدة في متاع المسافرين ما يمنحهم حرية تامة في تصريفها، التي تتحول بطبيعة الحال إلى السوق السوداء، إلا إذا اختار الشخص طريق البنك بمحض إرادته.
قانون على ورق
كان لابد من الوقوف على التفسير القانوني لهذا السلوك المالي المخالف والذي يتم في العلن، فالتقينا المحامي د.فتحي العيوني، الذي يرى أن "هذا المجال خاصّ واستثناء بالنسبة لكل القوانين العامة، نظرا لأن المبدأ الذي يحكم المادة في النظام الجزائي هو مبدأ الشرعية، أي أن كل مواطن حين يقترف سلوكا ما يجب أن يعرف أنه سلوك مُجرّم ويعاقب عليه القانون وبالتالي فمن يعبر عن الشرعية هو مجلس النواب، المنتخب من قبل الشعب أما فيما يخص القانون الصرفي فإن السلطة التشريعية قامت بعملية تفويض صلاحياتها التشريعية إلى السلطة التنفيذية الشيء الذي جعل التجريم اليوم يتم عبر مناشير وأوامر.. فلا يشترط بالضرورة أن يصدر قانون من السلطة التشريعية حتى يُجرم فعل ما بل يكفي أن يُصدر محافظ البنك المركزي منشورا حتى تتم عملية التجريم حتى وان كان منشورا داخليا فإنه تترتب عنه عقوبات جزائية."
نشاط يخرم الاقتصاد ويخدم الأعمال المشبوهة
في حوار مع الخبير الاقتصادي والمالي ووزير المالية التونسي الأسبق حسين الديماسي أكد لنا أن "النشاط الذي نتحرى حوله في ارتفاع مستمر وتشهد قيمة تعاملاته نموّا مطّردا ولكن لا أحد يقدر على تحديد الحجم الاجمالي لهذه التعاملات التي تقود عمليا إلى آثار وخيمة على الاقتصاد التونسي".
الديماسي أشار إلى أن من أهم نتائج ازدهار السوق الموازية للعملة هبوط قيمة الدينار الذي يرتبط بمخزون البلاد من العملة الصعبة، مؤكدا على أن قيمة الدينار تنخفض في السوق الموازية بشكل أسرع ما ينسحب سلبا على الميزان التجاري من حيث أن ما يتم ربحه في الصادرات تقع خسارته في الواردات.
وقد أكد وزير المالية الأسبق على ضرورة محاصرة الظاهرة لأنها تمثل خطرا حقيقيا على اقتصاد البلاد فحسب بل إنها تعمل أيضا كغطاء على المعاملات التجارية غير القانونية وترتبط عضويا بالتهريب وتبييض الأموال اضافة الى تمويل الجمعيات المشبوهة وحتى الأحزاب.
الخبير الاقتصادي الآخر عز الدين سعيدان ذهب إلى أبعد من ذلك جازما بأن "العملية برمّتها تبييض للأموال"، علاوة على أنها تعمل على تمويل التهريب الذي يحتاج إلى سيولة لا تأتيه إلا من السوق السوداء للعُملة بما أن ممارسة التوريد العشوائي للسلع تستوجب الدفع بعملة صعبة لا يمكن الحصول عليها من المسار القانوني. ويضع خبيرنا استفحال السوق الموازية وضعف الدولة وظاهرة الإرهاب التي تحتاج هي الأخرى إلى تمويل لا يتوفر لها إلا من السوق السوداء كعامل رئيسي لهذه الظاهرة.
سعيدان اعتبر أن هذه السوق لا تتسبب في مجرد آثار سلبية فقط على الاقتصاد، بل شدّد على أنها تدمر الاقتصاد فعليا من حيث أنها تضم معاملات لا تخضع للقانون والجباية ولا للضمان الاجتماعي ما يؤدي إلى إبعاد المستثمرين لعدم قدرتهم على مزاحمة من لا يدفع الأداءات ولا يحترم القانون ويبيع بأسعار أقل بكثير.
عز الدين سعيدان لم يكتف بذلك بل أشار إلى أن الصرف الموازي الموجود على الحدود، حيث يدخل ويخرج أكثر من 2 مليون سائح جزائري ومثلهم من ليبيا، يضخ بجزء كبير من مداخيل السياحة في السوق الموازية.
في سعي إلى منح الفاعلين الأساسيين في هذا الموضوع مساحة للحديث اتصلنا هاتفيا بالمكلف بالإعلام في البنك المركزي زياد الموحلي لمعرفة دور الهيكل المالي الأول في البلاد في مكافحة هذه الظاهرة واستبيان حقيقة وجود استراتيجية خاصة لتضميد هذا النزيف النقدي لمدخرات العملة وانزلاق قيمة الدينار، لكنه عارض أن يكون للبنك المركزي أي دخل في الموضوع تاركا المسؤولية على الحكومة والقضاء العدلي والديوانة.
في النهاية، يخلص هذا التحقيق إلى تفرق دم المسؤولية حول التصدي للاتجار في العملة في السوق السوداء بين جميع الجهات، ما حوله إلي اقتصاد مواز تقوم عليه مناطق بأسرها، ويستنزف جزءا يصعب حصره من تدفقات العملات الأجنبية للدولة، ليتم استغلالها في أنشطة غير مشروعة في أغلب الأحيان، ما بين الاتجار في السلاح والممنوعات وتهريب السلع والمحروقات.. وأحيانا الاتجار في البشر، وتصبح تونس في مواجهة ثقب أسود يبتلع ركائز الاقتصاد وقد لا يسلم الأمن العام كذلك من شرّه، وفي غضون ذلك تقتصر سياسة الحكومة على التوجه لتكثيف مكاتب الصرف الحدودية أي مجرد حل لتعميق المنافسة بين السوق القانونية والسوق السوداء.