وزارة الفلاحة تتنكّر للثروة السمكية

| 0 مشاركة
w1

يبدو أن هناك غيابا متعمّدا للحوكمة الرشيدة وإصرارا على عدم تطبيق القانون في تعاطي وزارة الفلاحة مع ملف الصيد البحري بمدينة المهدية منذ حوالي سبع سنوات، ما بات يهدّد بإحالة ما لا يقل عن 2000 صياد على البطالة الاجبارية ويستنزف الثروة السمكية بالجهة لفائدة بضع عشرات من البحارة المتمتعين باستغلال غير قانوني لـ 16 وحدة من المصائد الثابتة بمعتمدية الشابة والمعروفة بمصائد الشرافي.

وتفيد وثائق حصل عليها مركز يقظ لدعم وإرشاد ضحايا الفساد تعمّد عدد من متسوغي مصائد الشرافي بمعتمدية الشابة عدم التقيّد بمقتضيات كراس الشروط المنظم للعملية وذلك عبر:

  • استعمال شِباك بلاستيكية ذات عيون صغيرة الحجم عوض اغصان النخيل في صيد الأسماك
  • توسّع كبير في المساحات البحرية المعدة للمصائد الثابتة
  • الزيادة اللافتة في الغرف المعدة للصيد

في هذا السياق تكشف معاينة فنية اجراها المعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا البحار بجهة الشابة في جويلية 2016 عن تسبّب استعمال اغلب البحارة لشباك بلاستيكية وتوسّعهم المفرط على حساب مساحات بحرية هامة في ''الإضرار بالمخزون السمكي والمحيط البيئي''، بالإضافة الى التداخل مع عديد المصائد التقليدية الأخرى.

نسخة من تقرير المعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا البحار عن مصائد الشرافي بالشابة بتاريخ جويلية 2016

هذا وتندرج مصائد الشرافي ضمن المصائد التقليدية الثابتة، وهي طريقة معتمدة على غرس اغصان النخيل (الجريد) على الشريط الساحلي أو في الأعماق القصيرة للبحر. يُمكّن هذا النوع من الصيد البحري من الحصول على منتجات سمكية ذات جودة عالية على غرار اسماك البوقة والشلبة والطباق والمداس والقاروص والوراطة والصبارص والسارقي والكحالية والتريلية، في حين تلعب اغصان الجريد دورا بارزا في توفير مناخ ملائم لبعض الأصناف السمكية وفي أحيان أخرى تكون ملجأ لعدد من الأسماك عند ارتفاع درجات الحرارة في الأعماق القصيرة بالإضافة الى عدم اعاقتها لتجدد ماء البحر وتمكين المخزون السمكي من العبور على خلاف الشباك البلاستيكية، وفق ما جاء في تقرير المعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا البحار.

توفر وزارة الفلاحة 16 مصيدا بحريا يعرف بمصائد الشرافي في معتمدية الشابة، يتم تسويغها سنويا للبحارة، وذلك عبر بتة عمومية منظمة بكراس شروط.

نسخة من كراس شروط تسويغ مصائد الشرافي بالشابة

يشير تقرير المعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا البحار العائد بالنظر الى وزارة الفلاحة الى استنزاف غير مسبوق للثروة السمكية ببحر الشابة، جراء اعتماد طرق وادوات صيد غير قانونية من قبيل استعمال شِباك بلاستيكية عوض اغصان الجريد وتوسّع في المساحات البحرية وفي غرف الصيد. نفس التقرير المنجز في جويلية 2016 بيّن انه ''تمت ملاحظة صيد كميات كبيرة جدا من الأسماك الصغيرة وغير الناضجة جنسيا بنسب تناهز 70 % من اجمالي الكميات التي تم صيدها''.

وتعزى هذه الحصيلة المعيقة لتجدد المخزون السمكي، وفق تقرير المعهد، الى ضعف انتقائية ادوات الصيد، من خلال التعويل على الشِباك البلاستيكية التي سرعان ما تنسدّ عيونها الصغيرة بالطحالب. ولا يمكن في هذه الحالة استثناء الأسماك الصغيرة.

 70 % من الثروة السمكية التي يتم اصطيادها لم تبلغ النضج الجنسي، هكذا يكشف تقرير المعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيات البحار

هذا وينص كراس الشروط المتعلق بتسويغ مصائد الشرافي بالشابة في فصله الثامن على ''استعمال جريد النخيل دون سواه في بناء مختلف أجزاء الشرافي باستثناء غرف صيدها''

الى جانب ذلك تفيد معطيات أخرى حصل عليها مركز يقظ لدعم وارشاد ضحايا الفساد من عدد من بحارة الشابة وأثبتتها الوقائع في صائفة 2017، خرق عدد من مستغلي مصائد الشرافي للفصل الرابع عشر من كراس الشروط، وسط صمت من الإدارات الجهوية وحتى المركزية لوزارة الفلاحة. فقد دأب بعض متسوغي هذه المصائد، خلال السنوات المنقضية، على عدم رفع تجهيزات الصيد مع انتهاء مدة التسويغ المحددة بسنة واحدة، بينما يؤكد كراس الشروط: ''بانتهاء مدة التسويغ يتعيّن على كل متسوّغ ان يكون قد رفع كل التجهيزات التي كان اوجدها اثناء مدة تسويغه. وفي صورة عدم احترام هذا الفصل فإن الإدارة العامة للصيد البحري وتربية الأسماك تقوم بنفسها بهذه العملية وتحمّل المتسوغ المصاريف الناتجة عن ذلك.

هذه الإخلالات القانونية تسبّبت وفق تأكيد بعض الصيادين في خلق احتقان واضح بمعتمدية الشابة، خاصة بين الصيادين المتسوّغين لمصائد الشرافي وباقي ممارسي نشاط الصيد التقليدي (مالا يقل عن 2000 شخص)، حيث يذهب بعضهم الى وصف ما يجري بالجهة منذ سبع سنوات بـ''سياسة تفقير ممنهجة جراء سكوت وزارة الفلاحة عن مختلف التجاوزات القانونية المقترفة من قبل صيادي الشرافي، بما ان إستنزاف الثروة السمكية من قبل صيادي الشرافي بات يحرم ممتهني الصيد التقليدي من الحصول على اية محاصيل بحرية تذكر، خاصة وان هؤلاء يفتقرون الى قوراب ضخمة تسمح لهم التوغل في أعماق البحر.

بعض بحارة المهدية في وقفة احتجاجية في صائفة 2017 ضد صمت وزارة وزارة الفلاحة امام مختلف التجاوزات القانونية في ملف صيد الشرافي

في ذات السياق تكشف معاينة اجراها أحد عدول التنفيذ في 27 جويلية 2017، بطلب من النقابة الأساسية لبحارة الشابة وملولش، عن ''عدم استكمال إزالة بعض مصائد الشرافي بالشابة،'' مبينة انها منجزة بالاعتماد على ''اوتاد مدعمة بالشباك لحصر الأسماك''. وقد تم القيام بهذه المعاينة بعد تأجيل تنفيذ بتة كراء هذه المصائد لاكثر من مرة. ويبدو ان ضغوطات قد مورست من قبل بعض متسوغي هذه المصائد لارجاء انجاز هذه البتة، بل بلغ الامر حدّ لجوء البعض الى أنواع شتى من الوعيد والتهديد وحتى التعنيف في خضم ارتفاع لمنسوب الأزمة.

معاينة قانونية اجرتها نقابة بحارة الشابة وملولش في جويلية 2017، تكشف خرق عدد من متسوغي الشرافي لكراس الشروط

من جهتها سعت منظمة انا يقظ الى الوقوف على مختلف تفاصيل هذه الازمة، متصلة بكل من المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بالمهدية والمعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا البحار ووزارة الفلاحة للحصول على وثائق متعلقة بنسخ من المعاينات الفنية التي تم اجراؤها على هذه المصائد والديون المتخلدة ببعض البحارة. ولئن حظيت مطالب النفاذ بأكثر من وعد للحصول على الوثائق المطلوبة، فقد احيلت الإجابة الى وزارة الفلاحة التي رفضت بدورها تمكين المنظمة من حقها القانوني في الحصول على المعلومة. كما تناهى الى أنا يقظ من مصدر بوزارة الفلاحة (نتحفظ عن كشف هويته) خضوع مدير المعهد الى ضغوطات من مسؤول''رفيع المستوى'' بوزارة الفلاحة للإمتناع عن مدّنا بنسخ ورقية من التقارير المنجزة على مصائد الشرافي بالشابة.

و عليه تدعو منظمة "أنا يقظ" السلط المعنية من وزارة الفلاحة والمندوبية الجهوية لاتخاذ الاجراءات اللازمة قصد احترام القانون وايقاف استنزاف الثروة السمكية بجهة الشابة وفق الفصل 12 من الدستور التونسي الذي يجعل من الدولة المسؤول الأوّل عن الاستغلال الرشيد للثروة الوطنية.