الموفق الإداري: جهاز قادر على مكافحة الفساد

| 0 مشاركة
w1

الموفق الإداري

شكّلت معضلة الفساد عاملا من عوامل اندلاع الثورة التونسية خلال فترة 17 ديسمبر 2010 - 14 جانفي 2011 والتي وعلى إثرها انتظر الشعب التونسي إجراءات صارمة لوضع حدّ لهذه الآفة لكن هذا المطلب لم يتحقق وهو ما بيّنته العديد من الإحصائيات التي أشارت إلى ارتفاع مؤشرات الفساد في تونس من سنة إلى أخرى من ذلك الإحصائيات الصادرة عن منظمة الشفافية الدولية حيث جاءت تونس في المرتبة 76 وتراجعت مجموع نقاطها من 41 نقطة سنة 2012 إلى 38 نقطة سنة 2015 وهو يعود إلى عدّة عوامل منها غياب الإرادة السياسية الكافية لمكافحة الفساد وغياب إطار تشريعي متجانس يضمن الشفافية والمساءلة ويمنع الفساد في القطاع العمومي وهو ما طال عدّة مؤسسات نابعة من  الدولة من ذلك مؤسسة "الموفق الإداري".

حيث تمّ إحداث هذا الجهاز قصد خلق التوازن بين المواطن والإدارة باعتبار تمتعها بامتياز السلطة العامّة ويعود ذلك للمهام الذي أنيطت بعهدته بموجب الأمر عدد 2143 لسنة 2143 لسمة 1992 المؤرخ في 2 ديسمبر 1992 والذي خوّلت له التوسط بين المواطن والإدارة قصد إيجاد الحلول المناسبة للمسائل العالقة فيما بينهما وهو ما يفسّر الطبيعة التي جاء بها هذا الجهاز باعتباره مؤسسة عمومية ذات صبغة عمومية تعمل تحت إشراف رئاسة الجمهورية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي.

هذا وعلى الرغم من الأهمية التي يتمتّع بها هذا الجهاز إلاّ أنه يتميّز بمحدودية اختصاصاته بالمقارنة مع مؤسسات التوفيق على المستوى الدولي وهو ما يعود بالأساس إلى نقص الوسائل القانونية الفعالة التي من شأنها أن تمنحه نفوذا حقيقيا على باقي السلطات العمومية إلى جانب نقص الموارد المالية والبشرية التي تخوّل لهذا الجهاز الاضطلاع بمهامه على أحسن وجه.

جهاز الموفق الإداري بين الموجود والمنشود

وفق النصوص المنشأة والمنظمة لمؤسسة الموفق الإداري من ذلك الفصل الأول من القانون عدد 51 لسنة 1993 المؤرخ في 3 ماي 1993 يتمتّع جهاز الموفق الإداري بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، لكن هذا الاستقلال يبقى محدودا نسبيا نظرا لعدّة عوامل من ذلك تعيين الموفق من طرف رئاسة الجمهورية إلى جانب ضعف الموارد المالية والبشرية المرصودة له والتي تحول دون العمل على التعريف بهذا الجهاز إلى جانب أنّها تحول دون قيامه بالمهام المنوطة بعهدته.

وعليه وقبل المضي قدّما في نقاط الضعف التي تعتري عمل هذا الجهاز والتي تحول دون قيامه بدور فعّال في مكافحة الفساد في تونس يجب أن نعرّج على المهام المنوطة بعهدة هذا الجهاز وفق التشاريع الجاري بها العمل والمتمثّلة في

1- النظر في الشكاوى الفردية الصادرة عن الأشخاص الطبيعيين والمتعلّقة بالمسائل الإدارية التي تخصّهم والتي ترجع بالنظر لمصالح الدولة والجماعات العمومية المحلّية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية والمنشآت العمومية وغيرها من الهياكل المكلّفة بمهمة تسيير مرفق عمومي

2- النظر في الشكاوى الصادرة عن الذوات المعنوية المتعلّقة بالمسائل الإدارية التي تخصّها على أن تقدّم الشكوى من طرف شخص مادي له مصلحة مباشرة وعليه يعنى الموفق الإدارة أو بتأخرها في الردّ على طلبات المواطن أو في الاستجابة لها.

وعليه وللوهلة الأولى يبرز نطاق اختصاص الموفق الإداري التونسي واسعا نسبيا، وهو ليس بصحيح حيث تخرج من اختصاصه مجالات هامّة من شأنها أن تساعد على تسيير المرافق العمومية وتخفيف كاهل المحاكم التونسية ومن ذلك

عدم قدرة الموفق الإداري على النظر في القضايا المنشورة أمام المحاكم وفي النزاعات المتعلّقة بالحياة المهنية للأعوان الإداريين رغم أنّها تمثّل جزءا كبيرا من النزاعات الإدارية في تونس

في المقابل يتمتّع الموفق الإداري بسلطة تقديم التوصيات والحلول للهيكل العمومي  في صورة تعذّر تنفيذ حكم قصد رفع العراقيل التي تحول دون التنفيذ وهي آلية غير ناجعة لغياب عنصر الإلزام فعند تعنّت الإدارة وتشبّثها  بموقفها في عدم تنفيذ حكم قضائي لا يمكن إلزامها بذلك وهو ما أشارت إليه الدراسة المتعلقّة "بنظام النزاهة الوطني " الصادرة عن منظمة أنا يقظ سنة 2016  إلى جانب التقرير السنوي 2013 للموفق الإداري الذي تضمّن ارتفاع نسبة رفض الإدارة لتدّخل جهاز الموفق الإداري ما بين 2012 و 2013 حيث بلغت سنة 2012 35.22 %  في حين بلغت سنة 2013 45.45%

وأمام هذا الرفض لا يمكن لجهاز الموفق الإداري إلاّ أن يرفع تقريرا إلى رئيس الجمهورية في الغرض مشفوعا باقتراحاته وهي آلية غير فاعلة وسلبية في الوضع الحالي للبلاد أوّلا لاختلاف النصوص التشريعية مع الواقع الإداري التونسي فقبل الثورة كان الموفق الإداري يستمد سلطته من رئيس الجمهورية باعتباره رئيسا لمجلس الوزراء ( الفصل  50 و 51 من  دستور سنة 1959) أمّا الآن ووفق أحكام دستور الجمهورية الثانية الصادر سنة 2014 فإنّ الإدارة لم تعد تخضع إلى رئيس الجمهورية بل إلى رئيس الحكومة (الفصل 92 من دستور 2014) وهو ما يستوجب تعديلا يجعل من جهاز الموفق الإداري تحت إشراف رئاسة الحكومة   هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإنّ إرجاع إلزام السلط الإدارية _باحترام القوانين وتنفيذها _ إلى السلطة التقديرية  لرئيس السلطة التنفيذية  يفتح المجال إلى تفعيل ما هو سياسي في المجال الإداري وهو ما يحول دون تطبيق مبادئ الحوكمة الرشيدة القائمة على الشفافية والمساءلة ومكافحة الفساد.

 

الموفق_الاداري_تفسير

 

وعليه ولتفعيل دور الموفق الإداري في مجال مكافحة الفساد يجب أن تنتقل سلطة الإشراف من رئاسة الجمهورية إلى رئاسة الحكومة مع تمكينه من عدّة آليات زجرية تمكّنه من إلزام الإدارة باحترام القواعد القانونية وتنفيذها إلى جانب تمكينه من آلية التعهد الذاتي في المسائل التي يرى أنها ترتبط بالمصلحة العامّة أي عدم اقتصار اختصاصه على تلقي التشكيات من طرف شخص له مصلحة مباشرة في النزاع.

التوصيات:

من أجل تفعيل دور الموفق الإداري في مجال مكافحة الفساد الذي يعتبر أولوية من أولويات الدولة التونسية في الوقت الراهن يجب أن يطال التعديل هذا الجهاز والذي يستوجب:

1-   ضرورة وضع نصوص قانونية تفرض اللجوء إلى مصالح الموفق الإداري قبل اللجوء إلى القضاء في بعض النزاعات

2- تنقيح النصوص القانونية المتعلّقة بمصالح الموفق الإداري بما يتماشى مع الواقع

3- نقل سلطة الإشراف من رئاسة الجمهورية إلى رئاسة الحكومة

4- تمكين مصالح الموفق الإداري من التعهد الذاتي بالمسائل ذات المصلحة العامّة

4- تمكين جهاز الموفق الإداري من السلطة الإلزامية في بعض المجالات خاصّة المتعلّقة بتنفيذ الأحكام القضائية

5- وضع استراتيجية عمل واضحة بين الموفق الإداري والمؤسسات الراجعة له بالنظر

6- تمكين جهاز الموفق الإداري من الموارد المالية والبشرية اللازمة للقيام بالمهام المنوطة بعهدته