ست سنوات مضت على الثورة التونسية، فيما لا يزال التزام الحكومات المتعاقبة بالتصريح بمكاسب وزرائها ضعيفا، رغم تنصيص الدستور في فصله الحادي عشر على ان "يعمل من يتولى رئاسة الجمهورية او رئاسة الحكومة او عضويتها او عضوية مجلس نواب الشعب او عضوية الهيئات الدستورية المستقلة او أي وظيفة عليا على التصريح بمكاسبه وفق ما يضبطه القانون"، ورغم ان القانون عدد 17 المؤرخ في 10 أفريل 1987 يفرض على اعضاء الحكومة والقضاة والسفراء والولاة ورؤساء المؤسسات الأم والمؤسسات الفرعية القيام بتصريح على الشرف بمكاسبهم وبمكاسب ازواجهم وابنائهم القصر، وذلك في اجل لا يتجاوز الشهر من تاريخ تعيينهم، مع منحهم اجلا إضافيا مدته خمسة عشر يوما لتسوية وضعياتهم.
باستثناء حكومتي محمد الغنوشي اللتان لم تعمرا طويلا إثر الثروة التونسية، تداولت على السلطة سبع حكومات تشكلت من ست أحزاب، فضلا عن العشرات من الشخصيات السياسية المستقلة. تراوح التزام هذه الحكومات بالتصريح بالممتلكات، وفق الوثائق التي حصلت عليها منظمة انا يقظ من دائرة المحاسبات بعد طلب نفاذ الى وثيقة إدارية وفق المرسوم عدد 14 لسنة 2011 المؤرخ في 26 ماي 2011، بين حد أدني ناهز 12.5% وحد اقصى بلغ 100%(مع ما تخلل بعض النسب المئوية، والتي تبدو مرتفعة، من اخلالات بتجاوز التصريح بالمكاسب للآجال القانونية سواء عند مباشرة الوزراء لمهامهم أو عند مغادرتهم). اما الأحزاب التي تعاقبت على الحكم فقد آلت اعلى نسبة تصريح بالممتلكات لحركة النهضة، وذلك ب 80%، في حين احتل حزب الاتحاد الوطني الحر اخر الترتيب بنسبة 25% فقط.
حكومة الباجي قائد السبسي : الأقل تصريحا بالممتلكات
خلال العشرة أشهر التي ادارت فيها حكومة الباجي قايد السبسي شؤون الحكم في 2011، لم يهتم أعضاء الحكومة الاثنين والثلاثين بمسألة التصريح بالممتلكات. اذ عدا أربعة وزراء (وزير العدل لزهر القروي الشابي ووزير الشؤون الدينية العروسي الميزوري ووزير أملاك الدولة احمد عظوم وكاتب الدولة المكلف بالبيئة سالم حمدي)، المصرحين بمكاسبهم، وذلك بنسبة 12.5% فقط، لم يكلف أي وزير اخر نفسه للتصريح بمكاسبه بما فيهم رئيس الحكومة آنذاك الباجي قايد السبسي. بل شابت تصريحات هؤلاء الوزراء الأربعة اخلالات قانونية بما ان اثنين منهم (الازهر القروي الشابي والعروسي الميزوي) اكتفيا بالتصريح عند المباشرة فقط، في حين تجاوز احمد عظوم الآجال القانونية للتصريح بالممتلكات عند المباشرة بسبعة أشهر كاملة، ما يعنى احترام وزير وحيد (سالم حمدي) للآجال القانونية عند التصريح.
ينص الفصل السابع من القانون عدد 17 المؤرخ في 10 أفريل 1987 على انه "اذا لم يقم الشخص المطالب بالتصريح بالمكاسب بهذا الواجب اثر تعيينه او لم يقم بتجديده في الآجال المحددة بهذا القانون، يمنح اجلا اضافيا مدته خمسة عشر يوما لتسوية وضعيته والا تقع اقالته من الوظائف التي استوجبت التصريح بالمكاسب على ان يتم ذلك وفقا للقوانين والتراتيب السارية المفعول. واذا لم يقم الشخص المطالب بالتصريح بهذا الواجب اثر انتهاء مهامه وفي الأجل المحدد بالفصل الثاني من هذا القانون تجرى وجوبا الرقابة على تصرفه مدة مباشرته للوظائف التي استوجبت التصريح بالمكاسب".
الملاحظ أيضا في حكومة الباجي قايد السبسي كأول حكومة تمارس الحكم الفعلي ابان 14 جانفي 2011، تضمنها لوزراء التحقوا فيما بعد بحزب نداء تونس الذي اسسه قايد السبسي، واشتركوا جميعهم في خرق القانون عدد 17 المتعلق بالتصريح بالممتلكات. فلا وزير الشؤون الاجتماعية آنذاك محمد الناصر أو وزير التربية الطيب البكوش أو وزير التشغيل والتكوين المهني سعيد العايدي أو الوزير المعتمد لدى الوزير الأول رافع بن عاشور أو كاتب الدولة المكلف بالسياحة سليم شاكر او كاتب الدولة لدى الوزير الأول رضا بالحاج بادروا بالتصريح.
كما لم يلتزم وزراء اخرون في نفس الحكومة بقانون التصريح بالمكاسب، على غرار فرحات الراجحي القاضي الذي التحق بوزارة الداخلية خلال حكومة محمد الغنوشي الثانية قبل ان يقيله الباجي قايد السبسي، ووزير النقل الأسبق ياسين إبراهيم الذي أسس حزب افاق تونس فيما بعد ليساهم الى اعادته الى الحكم إثر الانتخابات التشريعية لسنة 2014..
التصاريح المتأخرة للترويكا
في 24 ديسمبر 2011، صعدت حكومة حمادي الجبالي الى سدة الحكم، وذلك إثر انتخابات 23 أكتوبر 2011 والتي رفعت فيها العديد من الأحزاب شعارات من قبيل مكافحة الفساد ومد جسور الشفافية والنزاهة والحوكمة المفتوحة والديمقراطية التشاركية، ولكن اللافت للانتباه في مدى التزام وزراء هذه الحكومة هو عدم وفاء جلهم بالمبادئ والشعارات التي تم ترديدها طيلة الحملات الانتخابية. اذ لم يصرح بالممتلكات سوى 78.5% من حكومة الاثنين والأربعين وزيرا، كما تجاوز عشرون من هؤلاء المصرحين الآجال القانونية خاصة بعد مباشرتهم الحكم، بما ان قرابة نصف أعضاء الحكومة صرحوا بممتلكاتهم بعد أكثر من سنة، أي قبل سقوط الحكومة بأشهر معدودة.
اما حكومة علي العريض التي عمرت ما لا يقل عن 9 اشهر (من 15 مارس 2013 الى 29 جانفي 2014) فتشير وثائق دائرة المحاسبات، التي حصلت منظمة "انا يقظ" على نسخة منها، الى مبادرة 86.8% من وزرائها الى تقديم كشف عن مكاسبهم، ولكن 27% من هؤلاء المصرحين تجاوزوا اجال الشهر والنصف التي حددها القانون عدد 17 المؤرخ في 10 فيفري 1987، على غرار:
- وزير الشؤون الاجتماعية الأسبق خليل الزاوية
- وزير التنمية والتعاون الدولي لمين الدغري
التزام قانوني منقوص لحكومة مهدي جمعة
عدا الستة وزراء الذين اكتفوا بالتصريح عن الشرف بالمكاسب عند المباشرة فقط (وزير الشؤون الخارجية منجي حامدي ووزير الفلاحة لسعد لشعل ووزير التعليم العالي توفيق الجلاصي ووزير الشؤون الدينية منير التليلي وكاتب الدولة المكلف بالشؤون المحلية عبد الرزاق بن خليفة وكاتب الدولة لدى وزير الخارجية فيصل قويعة)، فقد بلغ التزام حكومة مهدي جمعة بالتصريح بمكتسبات أعضائها نسبة 79% ، في حين تجاوز 8.6 %من هؤلاء الوزراء الآجال القانونية، وهم على التوالي :
- الوزير المكلف بمتابعة الشؤون الاقتصادية نضال الورفلي
- وزير التربية فتحي جراي
- الوزير المكلف بالأمن رضا صفر
حكومتا الحبيب الصيد والتصريح الضعيف
ناهز التزام حكومتي الحبيب الصيد الأولى والثانية بالتصريح بالممتلكات نسبة 52.3 % فقط بما ان مجموعة من الوزراء اكتفت بالتصريح بالمكاسب عند مباشرة المهام دون ان التصريح بالممتلكات بعد مغادرة المناصب الوزارية، وهم على التوالي:
- وزير الداخلية ناجم الغرسلي
- وزير الشؤون الدينية الأسبق عثمان بطيخ
- وزير المالية سليم شاكر
- وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي ياسين إبراهيم
- وزير البيئة والتنمية المستدامة نجيب درويش
- وزير تكنولوجيات الاتصال والاقتصاد الرقمي نعمان الفهري
- وزير الشباب والرياضة ماهر بن ضياء
- وزير التجارة محسن حسن
- الوزير المكلف بالعلاقة مع مجلس نواب الشعب الازهر العكرمي
- كاتب الدولة المكلف بالشؤون الأمنية رفيق الشلي
- كاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية محمد الزين شلايفة
- كاتب الدولة المكلف بتأهيل المؤسسات الاستشفائية نجم الدين الحمروني
- كاتب الدولة مكلف بشؤون الهجرة والادماج الاجتماعي بلقاسم صابري
- الوزير المكلف بالعلاقة مع مجلس نواب الشعب والناطق الرسمي للحكومة خالد شوكات
حكومة يوسف الشاهد
بتشكيلة حكومية بلغت ما لا يقل عن 40 وزيرا استلم يوسف الشاهد الحكم في 27 اوت 2016، ليسارع كل الوزراء الملتحقين بالحكومة الى التصريح بمكاسبهم قبل انقضاء شهر عن مباشرة مهامهم، في حين انقسم الوزراء المتنقلين من حكومة الصيد الى الشاهد بين مكتف بالتصريح القديم على الممتلكات عند انضمامهم الى الفريق الوزاري للحبيب الصيد وإعادة التصريح بالممتلكات عند المباشرة مرة أخرى.
هذا الإجراء يفتح الباب أمام أكثر من تساؤل إزاء وجوب تصريح الوزراء بالممتلكات عند خروجهم من حكومة مغادرة للحكم وانضمامهم الى أخرى جديدة من عدمه. اذ سكت القانون عدد 17 المؤرخ في 10 افريل 1987 والمتعلق بالتصريح بالمكاسب عن ضرورة التصريح بالمكاسب في كل مدة وزارية جديدة، ولم يحسم في هذه المسألة.
الأحزاب الحاكمة والتصريح بالمكاسب
على خلاف الوعود الانتخابية المسهبة في التمسك بالشفافية وبالحوكمة المفتوحة وبمحاربة الفساد، لم يكن التزام الأحزاب الحاكمة عقب الثورة التونسية بالتصريح بمكاسب وزرائها ونوابها عاليا.
حزب نداء تونس الفائز بأغلبية نيابية في انتخابات 2014، دفع ب18 وزيرا له الى دفة الحكم سواء في حكومتي الحبيب الصيد 1 او الحبيب الصيد 2 او في حكومة يوسف الشاهد، تقيد 11 وزيرا فقط منهم بالتصريح بالممتلكات أي بنسبة ناهزت 61 %، في حين رفض 7 وزراء تقديم تصريح بالممتلكات الى دائرة المحاسبات، بل هناك من هؤلاء الوزراء من كانت له سوابق في عدم التصريح بالحكم منذ حكومة الباجي قائد السبسي في 2011 على غرار:
- سليم شاكر
- القروي الشابي
- رضا بالحاج
- الازهر العكرمي.
كما عمد خمس وزراء من نداء تونس الى التصريح بالمكاسب بعد الآجال القانونية.
أما حركة النهضة التي كان لها نصيب الأسد في عدد الحكومات التي شارك فيها وزراؤها (18 وزيرا في حكومة حمادي الجبالي وعلي العريض والحبيب الصيد 1 والحبيب الصيد 2 ويوسف الشاهد منذ 14 جانفي 2014)، فقد التزم 85% من وزرائها بالتصريح بممتلكاتهم، لكن اكثر من نصفهم (53.8%) اودعوا تصاريحهم لدى دائرة المحاسبات بعد أجل الشهر والنصف الذي حدده قانون عدد 17 المتعلق بالتصريح بالمكاسب.
وفي ما يلي وزراء النهضة الذين لم يصرحوا بمكاسبهم:
- وزير الخارجية رفيق عبد السلام
- وزير التعليم العالي منصف بن سالم
- وزير مكلف بالتجارة والصناعات التقليدية بشير زعفوري
- كاتب دولة مكلف بالمالية سليم بسباس
- وزير التكوين المهني والتشغيل نوفل الجمالي
- كاتب دولة مكلف بتأهيل المستشفيات نجم الدين الحمروني
وحقق الشريكان السابقان في الحكم (المؤتمر من اجل الجمهورية والتكتل من اجل العمل والحريات) نسبا متفاوتة في تصريح وزرائهما بالممتلكات. اذ التزم 80 % من وزراء المؤتمر بالتصريح فيما تجاوز 40 % منهم الآجال القانونية, وصرح 60% فقط من وزراء التكتل بمكاسبهم فيما تجاوز ثلثهم الآجال القانونية.
اما عن وزراء حزبي افاق تونس والاتحاد الوطني الحر المشاركين في حكومات الحبيب الصيد ويوسف الشاهد، فقد ترواحت نسبة التصريح بين 50% لوزراء افاق تونس (صرح كل من رياض المؤخر وسميرة مرعي بممتلكاتهما في حين لم يصرح كل من ياسين ابراهيم ونعمان الفهري) و25% بالنسبة للاتحاد الوطني الحر،( صرّح حاتم العشي وتخلّف كل من ماهر بن ضياء ونجيب دريش ومحسن حسن)..
وقد تمكن نصف الوزراء المصرحين من احترام الآجال القانونية في افاق تونس، كما كان وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية السابق حاتم العشي الوزير المحسوب على الاتحاد الوطني الحر الوحيد في الموعد للتصريح بمكاسبه في الآجال القانونية.
بعيدا عن الأحزاب كان للوزراء المستقلين حضورا لافتا في مختلف الحكومات المتعاقبة منذ الثورة. وقد اكتفى 55 % من هؤلاء الوزراء بالتصريح بمكاسبهم على خلاف العديد من زملائهم على غرار
- وزير الدفاع الأسبق عبد الكريم الزبيدي
- وزير الداخلية الأسبق فرحات الراجحي
- وزير الشؤون الخارحية الأسبق المولدي الكافي
- وزير المالية الأسبق جلول عياد
- وزير الثقافة الأسبق عز الدين باش شاوش
- كاتب الدولة السابق رفيق الشلي
وقد تجاوز 14% من هؤلاء الوزراء المستقلين الآجال القانونية عند التصريح بمكاسبهم.
أعضاء مجلس نواب الشعب يستهتر بقانون التصريح بالمكاسب
من مجموع 217 عضوا بمجلس نواب الشعب لم يعمل على التصريح بالمكاسب سوى 18 نائبا، أي بنسبة 8.2%. اعلى نسبة تصريح بالمكاسب كانت من نصيب نواب حزب التيار الديمقراطي الثلاث الذين صرحوا كلهم بممتلكاتهم ما خول لهم تحقيق نسبة 100%، يليهم حزب افاق تونس بتصريح 3 من مجموع 8 أعضاء، ما أتاح له تحقيق نسبة 37.5 %. المرتبة الثالثة آلت الى حزب المؤتمر من اجل الجمهورية بنسبة 25% والرابعة للجبهة الشعبية بنسبة 13.3%. اما المراتب الأخيرة فقد احتلها نواب حركة النهضة بنسبة 5.7% وقبلهم نواب نداء تونس بنسبة 5.8%.
في ظل عدم تحرك حكومي وحزبي لتجسيم فحوى الفصل 11 من الدستور التونسي في قانون عملي يحتم على كل من يتحمل مسؤولية عليا في مؤسسات الدولة التصريح بمكاسبه وبمكاسب أبنائه وزوجاته مع تعليل مصادر كسبهم ومحاسبة المقصرين او المتغافلين على التصريح يظل الإفلات من العقاب ملجأ العديد من المتداولين على السلطة وتبقى ثقافة الشفافية والنزاهة والمحاسبة مجرد شعارات تذهب ادراج الرياح بمجرد وصول اغلب السياسيين الى السلطة التنفيذية والتشريعية.